الأحد، 14 أبريل 2019

لحظات الوداع (الجزء الأول)

لحظات الوداع (الجزء الأول)

خرج من المقبرة العليا، بعد أن دفن ذكرياته القليلة التي عاشها فيها، والحق معه، فهو لم يكن يدخلها إلا أوقات الضرورة، من أجل إجراء بعض المعاملات الإدارية. ورغم ذلك فإن احترام الأثر التاريخي أوجب عليه توديع هذه المقبرة.

ثم اتجه بعدها إلى متحف الفنون الجميلة، وقد كان يكن له احتراما شديدا، كيف لا وهو الذي استقبلهم (أواهم) بعد حادثة التهجير الإجباري الشهيرة.

قام بادئ الأمر بتفقد المدرجات، وهو يبتسم للكاميرات الموجودة في الرواق - إن كانت فعلا شغالة - وقد مكث وقتا أطول في المدرج 2، الذي أصيب فيه ببضع وعشرين سهما من سهام فارس النحو فلكاويه، عدو الخباشين والأساطير على حد سواء، فآثار الدماء لا تزال موجودة في كل ركن من أركان المدرج رغم تنظيفها.

ثم صعد الدرجات، وهو يعدها درجة درجة، لأن شعورا بالخجل راوده، فقد تخرج وهو لا يعرف عدد الدرجات المؤدية إلى قاعات الدراسة بعد، حتى وصل إلى الطابق الثالث، وألقى التحية على كل القاعات، ثم عرّج إلى لوحة الإعلانات، فشكرها على كل علاماته المتدنية التي نشرت عليها، وأخبرها أن ذلك شرف كبير لها.

عند نزوله، أعاد عدّ الدرجات ليتأكد من عددها، فهو لا يثق في ذاكرته القوية جدا، والتي حصل بسببها على علامات بمحاذاة الصفر في مواد الحفظ.

ولأنه يحترم متحف الفنون فقد أبى أن يخرج منه وظهره إلى الوراء. بدلا من ذلك خرج ووجه يقابل المدخل الكبير للمتحف، فمشى إلى الوراء وهو على تلك الهيئة حتى غاب المتحف عن ناظرية ووصل إلى الموقف الذي تركن فيه الحافلةالزرقاء.



إسمي الكامل بلمرابط صلاح الدين. عمري 23 سنة. طالب بالمدرسة العليا للأساتذة، قسنطينة، الجزائر. .


الابتساماتالابتسامات